رجال الغيب
ننتقل الآن للحديث عن رجال الغيب، ويوجد لدينا عندنا مرجع صاحبه كأنه معاصر وهو النبهاني / توفى سنة (1350هـ).
وحتى لا يقولوا هذه أفكار قديمة -كما يقول بعض الناس- وعفا عليها الزمن، لا، فـالنبهاني توفى عام (1350هـ)، وتلاميذه مازالوا موجودين، ومنهم: هؤلاء القوم.
يقول: '' إن رجال الغيب كثيرون، ومنهم رضي الله عنهم "النقباء"، وهم اثنا عشر نقيباً في كل زمان لا يزيدون، ولا ينقصون، ومنهم رضي الله عنهم "النجباء"، وهم ثمانية في كل زمان لا يزيدون، ولا ينقصون، ومنهم رضي الله عنهم "الحواريون"، وهو واحد في كل زمان لا يكون فيه اثنان، فإذا مات ذلك الواحد: أقيم غيره، ومنهم رضي الله عنهم "الرجبيون"، وسموا رجبيين لأن حال هذا المقام لا يكون لهم إلا في شهر رجب، ومنهم رضي الله عنهم "الأبدال"، وهم سبعة لا يزيدون، ولا ينقصون يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة!! ''
أقول: كما سبق أن قلنا: إن الله عز وجل عند الصوفية لا يتصرف في الكون إلا بواسطة، فالأقاليم السبعة على الجغرافيا القديمة التي كانت قبل ألف سنة، وضع الصوفية سبعة رجال مِن الأبدال كلٌّ منهم يحفظ إقليمه، ويتصرف فيه.
ويقول: ''منهم رضي الله عنهم "الختم"، وهو واحدٌ لا في كل زمان، بل هو واحد في العالم، يختم الله به الولاية المحمدية '' قول: خاتم الأولياء واحد، ولذلك ابن عربي و ابن سبعين، وأحمد التيجاني، ومحمود محمد طه، كلٌّ منهم يدَّعي، ويحرص أن يكون هو خاتم الولاية؛ كما يدَّعي كذابو الشيعة، وغيرهم: أنَّ كلاًّ منهم هو المهدي المنتظر.
يقول: '' ومنهم رضي الله عنهم ثلاثمائة نفس على قلب آدم عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم أربعون نفساً على قلب نوح عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم سبعة على قلب الخليل عليه السلام ''.
أقول: سبق أن ذكرنا لكم مِن أن حرصهم على تعظيم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما هو تعظيمٌ لأنفسهم؛ لأنهم يقولون: إن رجال الغيب منهم مَن يصل إلى أن يكون على قلب فلان مِن الأنبياء؛ فهو كالنَّبيِّ، وأسقطوا الفرق بين البشر العاديين وبين الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، بل وبين الملائكة أيضاً.
يقول النبهاني: '' ومنهم رضي الله عنهم خمسة على قلب جبريل عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم ثلاثة على قلب ميكائيل عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم واحد على قلب إسرافيل عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم ثمانية عشر نفساً أيضاً هم الظاهر بأمر الله عن أمر الله، ومنهم رضي الله عنهم ثمانية رجال يقال لهم "رجال القوة الإلهيَّة"، ومنهم رضي الله عنهم خمسة عشر نفساً، هم "رجال الحنان والعطف الإلهي"!! '' أقول: هل قوة الله تعالى وحنانه، أو رحمته تكون عن طريق هؤلاء بزعمهم؟!
قال: '' ومنهم رضي الله عنهم أربعةٌ وعشرون نفساً في كل زمان يسمَّون "رجال الفتح"، ومنهم رضي الله عنهم واحد وعشرون نفساً، وهم "رجال التحت السفلي"، ومنهم رضي الله عنهم ثلاثة أنفس، وهم "رجال الإمداد الإلهي والكوني"، ومنهم رضي الله عنهم ثلاثة أنفس "إلاهيون، رحمانيون" في كل زمان، ومنهم رضي الله عنهم رجل واحد وقد تكون امرأة في كل زمان، ومنهم رضي الله عنهم رجلٌ واحدٌ مركَّبٌ ممتزج في كل زمان لا يوجد غيره في مقامه، وهو يشبه عيسى عليه السلام متولِّدٌ بين الروح والبشر، لا يُعرف له أبٌ بشري، كما يحكى عن بلقيس أنها تولدت بين الجنِّ والإنس، فهو مركَّب بين جنسين مختلفين، وهو "رجل البرزخ، به يحفظ الله تعالى البرزخ.. ''إلى آخر كلامه.
انظروا ترتيب هؤلاء الرجال، وانظروا تصنيفهم، أعدادهم، لماذا كانوا بهذا الشكل، ثم هذا الأخير الذي يشبه عيسى عليه السلام، أليس هذا يصدِّق بأن أصل الصوفية، أو مِن أصولها النصرانية التي هي في الأصل منقولة عن النصرانية، نقلها شاؤل اليهودي، فهي في الأصل دسيسة يهودية نقلت من النصرانية ديانة وثنية شرقية إلى النصارى، ثم أخذها هؤلاء عن طريق النصارى؟
وهذا يؤكد ما هو معروف مِن أنَّ أول مَن وضع ما يسمُّونه [خانقاه]، أو [الرباط] للصوفية هو أحد أمراء "الرملة" النصارى في فلسطين، هو الذي وضع لهم [الخانقاه] هذا أو [الرباط]، ثم انتشرت الأربطة فيما بعد، وهذا الكلام - وهو أنَّ أول مَن بنى الرباط هو أمير نصراني في الرملة -: نقله عبد الرحمن الجاني في كتابه نفحات الأنس صفحة 34، ونقله الدكتور طلعت غنام صفحة 64 في كتاب جهلة الصوفية وعبد الرحمن الجاني يعد مِن الصوفية الذين يقولون بوحدة الوجود، عاش في نهاية القرن التاسع، وله كتاب في وحدة الوجود طبعه الطابعون في مصر مع أساس التقديس للرازي لأنَّ القوم أشاعرة، وصوفية؛ فطبعوا أساس التقديس -كتاب الأشاعرة- وطبعوا معه رسالة الجواهر أو الدرر لـعبد الرحمن الجاني في وحدة الوجود، وترجم له الزركلي في الأعلام.
والحديث عن هؤلاء الرجال طويل جداً، ولا أستطيع أن أتحدث عنه بالتفصيل بقدر ما أحاول -إن شاء الله- أن أنقل كثيراً مما نُسب إليهم مِن كرامات، وشركيَّات، وتعلقات بهم، إنما هناك قضية خطيرة ينبغي لي أن أنبِّه عليها وهي تجمع هؤلاء الرجال جميعاً، وتعطينا وصفاً لهم.
هذه القضية: أنَّ رجال الغيب عند الصوفية الموصوفين بهذه الصفات، هم يعيشون بين الناس، وهم رجال مِن البشر، يعيشون بيننا، منهم المعروف، ومنهم المجهول، ومنهم الظاهر للناس، ومنهم المستتر عنهم، بحيث إنَّه يراهم، وهم لا يرونه، ويكاشف متى شاء!! أي: هذه الصفة مشتركة بين هؤلاء الرجال، ولذلك تجد الصوفية -حتى من العوام وغيرهم- يقولون: "فلان يمكن أن يكون ولياً"، "ويمكن أن يكون مِن رجال الغيب فلا تتعرض له ولا تكلمه"!!
كيف وبأي دليل يستدلون على هذا؟!
هنا القضية، وهي: أن هؤلاء الرجال مخالفون في سيرتهم، وفي أحوالهم للشريعة، ولمألوفِ النَّاس، فلا تتصور رجلاً مقيماً في مكان يدرس سنَّة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو عالم مِن العلماء مشتغل بالتفسير، أو بالحديث، أو بالسنَّة أو بالدعوة، أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بالجهاد.
لا تتصور أن الصوفية يعتقدون أنَّ هذا مِن رجال الغيب، لا ليس هذا أبداً، القضية: أن هذا الرجل ينبغي أن يكون كما يسمونه "بهلولاً"، "مجذوباً"، يقع على المزابل، يلتقط من القاذورات، ورأينا نماذج مِن هؤلاء في الحرم مِن أقذر الناس، شعورُهم نافرة، وأظافرهم طويلة، وهكذا نجد أشكالاً غريبة جدّاً، خارجة عن المألوف، ويقال: هؤلاء هم "الأولياء"، ربما يكون هذا هو "القطب الأعظم" الذي يدير الكون كلَّه وأنت لا تدري!! وربما يكون مِن "رجال الغوث"، ربما يكون مِن "النجباء"، وربما يكون مِن "الرجبيين"، وربما يكون مِن "الرحمانيين"، وربما يكون على قلب نوح، أو الخليل، وأنت لا تدري!